إهتزت أركانُ كل سجون مصر ومعتقلاتها عندما وصل إلى اسماع القابعين بداخلها ظلما وعدوانا نبأ رحيل الرئيس حسني مبارك، وانتفضت المشاعر، واقترب أحدهم من صورة ابنته الصغيرة ليحتضنها فقد غابت ملامحها عنه منذ عشر سنوات إثر القاء القبض عليه، والقائه في نزانة قذرة كئيبة دون أن يُقَدَم للمحاكمة، فقانون الطواريء يضع بين يدي الرئيس أرواح المصريين ليقبضها متى شاء، ويستدعي عزرائيل أينما أراد.
وبكى آخر الذي كان وحيد والديه ورحل والده خلال فترة اعتقاله، ومرضت والدته فلا يملك منها إلا صورة قديمة أبيض وأسود يُقَبّلها بين الحين والآخر.
انفجرت كلُ مشاعر الفرح والأمل والغبطة في صدور عائلات ثلاثين ألف معتقل، فالسجّان الذي ظن أن الروحَ خالدةٌ لم يدر بذهنه أن عزرائيل الذي تركه في ميوينيخ ليتوب، عاد إليه مرة أخرى غير مكترث بتوسلاته أن يتركه عدة أعوام حتى يسفف المصريين تراب الأرض.
كانت هناك مئات من العائلات التي مات أبناؤها تحت التعذيب في أقسام الشرطة بأوامر وتوجيهات الرئيس الراحل محمد حسني مبارك والذي طلب من أجهزة أمنه استعمال كل وسائل القسوة والغلظة وامتهان الكرامة ولو وصل الأمر إلى اغتصاب المصريين وانتهاك أعراضهم وصب الكيروسين على أجسادهم الضعيفة فتنهي النارُ عملَ البلهارسيا وتعجّل موت مواطنين كانوا همّا وكمَدا وثِقَلا فوق كاهل الرئيس.
مئات من البرقيات تسلمها القصر وكلها مجاملات بروتوكولية يعزي فيها الزعماء والملوك والقادة والكبار الشعبَ المصري في المصاب الجلل ويستذكرون مآثر ومواقف الرئيس الراحل، طبعا لم يقرأها أحد فلو مات الشيطان نفسه فإن برقيات العزاء ستتم كتابتها بنفس الصيغة، وسيتذكر المُعزّون أفضالَ إبليس ونضاله واصراره على موقفه( لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )!
الشوارع خالية، والجيش في حالة تأهب، ووكالات الأنباء تطيرّ صورة لرئيس الوزر اء الاسرائيلي وهو يشيد للقناة الاسرائيلية الأولى بعرّاب الصراع، ويفشي سرا عن قدرة الرئيس الراحل في نزع سلاح المقاومة، وفي امداد اسرائيل بالغاز والبترول، وفي انقاذ الحكومة عندما أضرب عمال الموانيء فقامت البواخر بتفريغ شحناتها في بورسعيد المناضلة ومنها إلى الكيان الصهيوني.
مصارف مصر كلها تتلقى طلبات تحويل من مئات اللصوص الذين كانوا في حماية الرئيس الراحل، ولكن بعض البنوك لم تكن لديها سيولة كافية، ومن حسن حظ لصوص العهد المباركي البائد أن الرئيس سمح لهم بتهريب عشرات المليارات لمصارف في الخارج.
بعض الغلابة والمساكين والطيبين يبكون الرئيس، فالموت يبكيهم ولو كان الراحل ممسكا برقابهم منذ المولد إلى اللحد، لكن لأول مرة منذ سنوات طويلة ينتعش أمل اخراج مصر من كبوتها وكارثة الوطن التي حلت بها اثر فواجع متتالية سببها أعفن وأنتن وأفسد نظام فاشي في عالمنا العربي.
المصريون يتنفسون، وحكايات الفساد تنتشر بسرعة النار في الهشيم، وبدأ وصول كبار الزعماء لحضور جنازة زعيم كان الأكثر بغضا لشعبه، وكان شعبه الأكثر كراهية له.
رئيس مجلس الشعب يتصل بعصابة الأربعة لتحديد مرشح الحزب الوطني، وصحيفة يومية تنشر حديثا مع مواطن يقول بأنه تلقى تهديدا بالانضمام للحزب منذ عامين وإلا فقد عمله.
السفير الأمريكي يدلي بحديث يقول فيه بأن الادارة الأمريكية تريد نظاما ديمقراطيا حرا، واسرائيل تضع جيشها على الحدود وتهدد إن تولى فلان قيادة الجيش، والمرشد العام للاخوان المسلمين يقول بأن الجماعة ستحدد موقفها قريبا وأنها لا تمانع في ترشيح الحزب للسيد جمال مبارك، وبعدها بساعتين يقول نائب المرشد بأن فضيلته لم يدل بهذا الحديث!
بيان من جماعة اسلامية مجهولة تطالب بتطبيق الشريعة فورا، والمثقفون المصريون يجتمعون لاصدار بيان عن الحرية والديمقراطية ولكن اثنين منهم ينسحبان احتجاجا، فيتم تأجيل البيان إلى وقت لاحق.
صحيفة بريطانية تنشر أن ثروة أسرة مبارك تعادل ثلاثة أضعاف ثروة الوليد بن طلال، وأن خمسة مصارف على الأقل في الخارج يملك فيها الولدان ووالدهما الراحل ثروة تكفي لزراعة كل أرض مصر لو كانت ملكا للشعب.
الاعلام الغربي يلاحظ غياب الشعب المصري عن حضور الجنازة، ومصر تتشح بالسواد الذي يخفي أملا مشرقا بغَدٍ جميل يعيد إلى المصريين وطنا حاول الراحل اغتياله طوال سنوات فاجعات فلم يفلح.
يسير في الجنازة زعماء أوروبيون وأفارقة وبعض الشخصيات العالمية وأكثرها زرق العيون عليها أوجه سود!
ضباط الأمن في أقسام الشرطة يبدون قلقهم من وصول رئيس شريف ونزيه ومخلص إلى سدة الحكم، ويقترب شاب من المسجلين خطرين الذي نشرت الصحف صورته وهو يضرب متظاهرا على رأسه بقطعة من الحديد، ويسأل مأمور القسم: وماذا سنفعل يا باشا بعد رحيل الرئيس؟ كيف سنضرب ونعذب ونغلظ في الاهانة والركل إن جاء زعيم يحافظ على كرامة المصريين؟
وهنا ابتسم له ضابط الشرطة وقال له هامسا: ستفعل أكثر مما فعلت لو أن الرئيس الشاب جمال مبارك تولى السلطة، وهذا يتوقف على مدى سلاسة وعذوبة ومتعة وبهجة الاذلال والمهانة لدى المصريين، فإن أرادوا الحرية والكرامة فأبشرك بأنك ستكون من العاطلين عن العمل!
في اليوم الثالث لجنازة الرئيس حسني مبارك، تقدم صاحب محل بقالة، ورفع صورة الرئيس من على الحائط، ثم ألقاها أرضا وداس فوقها!
راااااائع
ردحذفيا رب
ردحذفيا ريت تنشر عنوان مدونتك بشكل اكبر انا عرفت العنوان من تعليق ليك على ج-ريدة الدستور
ردحذفيا رب
ردحذفيا ريت تنشر عنوان مدونتك اكتر من كده خلى الناس تفوق
ردحذف