منذ أعلنت الدولة المصرية عن مشروع تنمية سيناء فى 13 أكتوبر عام 1994 والشعب المصرى يتساءل أين المشروع وماذا تم فيه.. ولماذا أهملته الدولة وبماذا نفسر بقاء سيناء على حالها صحراء قاحلة يسكنها 400 ألف مواطن وأين الأحلام والأمانى والوعود..
ما بين عودة سيناء المحتلة ومشروع تنميتها فاصل زمنى طويل امتد 12 عاما.. وما بين مشروع تنمية سيناء وزماننا الحالى 16 عاما أخرى، أى أننا أمام 28 عاما بلا عمل أو إنجاز وبين هذا وذاك أربعة رؤساء وزارات وأكثر من حكومة.. بدأت الرحلة مع وزارة د. عاطف صدقى بين عام 86 و96 ثم وزارة د.كمال الجنزورى من 96 إلى 99 ثم وزارة د. عاطف عبيد ما بين 99 و2004 ونحن حاليا فى وزارة د.أحمد نظيف منذ 5 سنوات..
ضاع كل هذا الوقت فى الدراسات والمشروعات الوهمية والقصص والحكايات والأعذار..
أنا لا أتصور أن يبقى الحال على ما هو عليه بعد كل ما جرى ودار من مؤامرات تجاوزت حدود السرية وأصبحت حديثـا صريحا واضحا ما بين كواليس السياسيين وأجهزة الإعلام ومراكز الأبحاث والقرار.. وتجاوزت حدود سيناء لتأخذ مكانها فى الملفات السياسية للدول الأوروبية وأمريكا وإسرائيل.. أصبح من الصعب أن نتعامل مع هذه الوقائع من خلال منظور الشك والهواجس.. أن ما يحيط بسيناء الآن يمثل تهديدا صريحا إلا إذا كان بيننا من يرى أن القضية من هذا المنظور يمكن أن تكون محلا للنقاش وسيكون ذلك هو الكارثة الأكبر من احتلال سيناء مرتين فى أقل من خمسين عاما..
بدأت قصة التنمية فى سيناء بعد عودتها مباشرة فى عام 1982.. وفى ظل احتفالات التحرير ورفع الأعلام على الأرض العائدة طافت بنا أحلام كثيرة..
كان اليهود قد خرجوا من سيناء تسبقهم دموعهم ففى خلال فترة وجيزة ما بين 67 و73 أى ست سنوات من الاحتلال أقامت إسرائيل عشرات المشروعات الناجحة ما بين زراعة مساحات كبيرة من الأراضى والتوسع فى المشروعات السياحية واستغلت آبار البترول استغلالا وحشيا وسرقت ونهبت آلاف القطع الأثرية وقامت بالتنقيب عن الكثير من المعادن والثروات الطبيعية واستخدمت أحدث أساليب التكنولوجيا فى الزراعة الحديثة.. وكانت منتجات سيناء الزراعية تتدفق كل يوم إلى أسواق أوروبا خاصة الفاكهة والزهور.. قامت إسرائيل ببناء مجموعة ضخمة من المستوطنات كان أشهرها وأكبرها مستوطنة ياميت الشهيرة.. وفى شرم الشيخ وطابا كان آلاف الإسرائيليين يسبحون كل يوم فى مياهنا الزرقاء.. ست سنوات من الاحتلال تحولت سيناء إلى شىء آخر إنتاجا وتصديرا وصناعة وزراعة وسياحة.. قلت إن إسرائيل فعلت فى سيناء فى ست سنوات ما فشلنا نحن فى إنجازه فى نصف قرن من الزمان..
عادت سيناء بالأغانى الوطنية رغم أنها تحررت بدماء شبابنا الغالى ولكن صوت الغناء رغم العودة كان أعلى وأغلى من صوت الدماء النبيلة..
مشروع ضخم لتنمية سيناء أعلنته حكومة د. عاطف صدقى قبل أن يترك الوزارة بعامين وكان الرجل جادا فى طرح هذا المشروع.. فى مشروع تنمية سيناء الذى أصبح الآن جزءا من أرشيف الحكومات المصرية تم رسم إستراتيجية كاملة لتنمية كل سيناء شمالها وجنوبها من شرم الشيخ جنوبا إلى رفح والعريش شمالا.. من مياه البحر الأحمر إلى مياه البحر المتوسط على مساحة 66 ألف كيلومتر مربع حيث تقترب هذه المساحة من ثلث مساحة الدولة المصرية..
وضعت الدولة المصرية ميزانية استثمارية لهذا المشروع بلغت 110 مليارات جنيه بحيث يبدأ المشروع عام 1994 وينتهى فى عام 2017 من هذه الميزانية 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46 مليار جنيه لجنوب سيناء..
هناك أرقام تؤكد أن كل ما تم تنفيذه من هذه الاستثمارات لم يتجاوز 14 مليار جنيه منذ تحرير سيناء وحتى الآن.
كان من أهم أهداف هذا المشروع زيادة الرقعة الزراعية والتوسع فى الإنتاج الزراعى وإعادة توطين السكان وانتقال 3 ملايين مواطن من الدلتا إلى سيناء وجعلها امتدادا طبيعيا للوادى واستغلال طاقات الشباب.. تبدأ المرحلة الأولى لتنمية سيناء بزراعة 220 ألف فدان غرب قناة السويس أما المرحلة الثانية فتشمل زراعة 400 ألف فدان فى وسط سيناء وشمالها وجنوبها..
كان المشروع يقوم على زراعة 400 ألف فدان من مياه ترعة السلام التى حملت مياه النيل إلى وسط سيناء بحيث توزع هذه المساحات على أساس زراعة 70 ألف فدان فى منطقة رابعة و70 ألف فدان فى بئر العبد و135ألف فدان فى منطقة السر والقوارير..
من بين أهداف المشروع الذى لم يكتمل أيضا إنشاء خط سكة حديد يربط مدن القناة من الإسماعيلية حتى شمال سيناء على الحدود المصرية فى رفح مارا بالعريش ويتضمن 13 محطة بتكاليف تصل إلى 800 مليون جنيه كان المشروع أيضا يهدف إلى إقامة سلسلة من الكبارى والأنفاق منها كوبرى الفردان وكوبرى مبارك للسيارات مع عدد كبير من مشروعات الطرق والغاز والكهرباء وتحلية المياه..
فى عام 94 وعند إعلان هذا المشروع الضخم لتنمية سيناء كان هناك إحساس عام لدى المصريين بأن سيناء يمكن أن تمثل حلا جذريا للكثير من مشاكل وأزمات مصر خلال فترة زمنية قصيرة..
كان هناك اعتقاد راسخ بأن سيناء هى البديل الطبيعى للأزمة السكانية الطاحنة التى تعيشها مصر على ضفاف النيل.. وفى ظل زيادة سكانية تتجاوز المليون نسمة سنويا يمكن أن تكون سيناء هى الحل الأمثل أمام هذه الزيادة.. كان مشروع تنمية سيناء يهدف إلى انتقال ثلاثة ملايين نسمة للحياة فى سيناء كمرحلة أولى يمكن أن يصل هذا العدد إلى خمسة ملايين نسمة قبل إتمام المشروع فى عام 2017..
وبدلا من أن تكون سيناء حلا للمشكلة السكانية زادت الأزمة تعقيدا ويكفى أن عدد سكان مصر قد زاد خلال 28 عاما ومنذ عودة سيناء بأكثر من 25 مليون مواطن.. وهذا هو الفرق بين حكومات تواجه الأزمات وتعمل على حلها وأخرى تصنع المشكلات وتضيف إليها المزيد..
كانت هناك خطة للتوسع الزراعى من خلال زيادة الرقعة الزراعية بما يعنيه ذلك من توفير السلع الزراعية خاصة القمح والذى يمثل عبئـا كبيرا على ميزانية النقد الأجنبى فى مصر حيث تعتبر مصر واحدة من أكبر دول العالم استيرادا للقمح.. كان من الممكن مع زراعة 400 ألف فدان فى سيناء أن توفر مصر الكثير من احتياجاتها من المنتجات الزراعية..
إن خطة التوسع الزراعى والصناعى سوف تفتح آفاقـا جديدة للصادرات المصرية بما يعنيه ذلك من زيادة مواردنا من العملات الصعبة خاصة أن كثيرا من المحاصيل والفاكهة التى تنتجها سيناء تلقى سمعة دولية طيبة فى الأسواق الخارجية..
إن خطة تنمية سيناء كانت تقوم أيضا على استثمار ما بها من حقول البترول والغاز والمعادن مع التوسع فى إنشاء مصادر للطاقة الكهربائية وتصديرها للدول العربية المجاورة وفى سيناء تلال من الرمال البيضاء التى تستخدم فى صناعة الزجاج مع كميات ضخمة من الرخام والحديد والأسمنت..
كلنا يعلم أن السياحة من أهم مصادر الدخل فى سيناء خاصة فى الجزء الجنوبى على مياه البحر الأحمر.. وفى الوقت الذى كان الاهتمام كبيرا بالسياحة على البحر الأحمر كان الإهمال واضحا على شواطئ البحر المتوسط والتى تمتد من العريش إلى دمياط..
ورغم أن وسط سيناء يضم أماكن أثرية تحظى بسمعة دولية مثل دير سانت كاترين وبئر فرعون وعشرات الأماكن الأثرية فإن هذه الأماكن بقيت بعيدة عن الاهتمام بها كمصادر دخل مضمونة..
كان الإهمال واضحا فى بعض المناطق فى سيناء خاصة منطقة الوسط رغم أن الجزء الأكبر من السكان يعيش فيها حيث يبلغ سكانها 300 ألف نسمه.. ولم يترك الإهمال أيضا شمال سيناء على امتداد شواطئ البحر المتوسط بينما كان الجزء الأكبر من الاهتمام يتجه إلى الجنوب حيث لا يوجد أكثر من 50 ألف نسمة.. لقد تم توجيه استثمارات رهيبة إلى شرم الشيخ والمناطق المحيطة بها ولو أن الجزء الشمالى من سيناء أخذ شيئـا من هذه الاستثمارات لتحولت سيناء كلها وليس جنوبها فقط إلى شىء آخر.. فى شرم الشيخ تركزت المشروعات السياحية.. ومشروعات الغاز والبترول والمطارات والتوسع السكانى وإن بقيت فى كل الحالات منتجعا لم يستفد منه سكان سيناء بشىء يذكر..
الآن لا ينبغى أن نطيل البكاء على اللبن المسكوب.. ويكفى الذى ضاع.. نحن الآن أمام صورة لا تدعو للتفاؤل فلم تعد القضية فقط تنمية سيناء بحيث نوجه اللوم إلى حكومات سابقة أو لاحقة لأنها أهملت مشروع تنمية هذا الجزء من الوطن.. إن القضية الآن تتجاوز حدود التنمية وتدخل إلى أزمة خطيرة تهدد أمن مصر القومى.. إن الحديث أصبح واضحا وصريحا حول دخول سيناء منطقة التفاوض حول مستقبل إنشاء الدولة الفلسطينية.. كان هناك كلام حول تقسيم فلسطين بين إسرائيل والدولة الفلسطينية ولكن الحديث الآن حول إمكانية أن يكون جزء من سيناء حلا للقضية الفلسطينية.. إن إسرائيل تجد أكثر من مبرر لهذا الطرح أمام العالم..
أولا: إن سيناء أرض خالية لا بشر ولا إنتاج ولا تنمية، وإن المصريين أهملوها تماما منذ عادت لهم فى بداية الثمانينيات أى أنهم تركوها الآن ثلاثين عاما فلماذا لا تصبح جزءا من الحل الشامل للصراع العربى ــ الإسرائيلى مادامت خالية.. إنها أرض بلا سكان وبلا تنمية وبلا مستقبل فى ظل سياسات مصرية متخاذلة وغير مفهومة..
ثانيا: إن عدد السكان الإسرائيليين مع الفلسطينيين سوف يصل إلى 20 مليون نسمة وإن أرض دولة فلسطين التى ستجمع الشعبين لا تكفى لاستيعاب هذا العدد من البشر فى السنوات القادمة وإن الحل هو جزء من سيناء يضاف إلى هذه المساحة..
ثالثا: فى ظل الظروف السياسية السيئة التى تحيط بالعالم العربى وتراجع الدور المصرى عربيا فإن إسرائيل تتصور أنه قد يجىء الوقت المناسب لطرح هذه القضية بحيث تجد قبولا لدى أطراف كثيرة..لن يعارض الغرب ولا أمريكا هذا التوجه وقد يكون الوقت مناسبا فى المستقبل القريب لطرح هذا المشروع أمام ظروف اقتصادية صعبة قد تعيشها مصر وتفرض عليها البحث عن حلول لمشاكلها وقد تكون الأرض أحد هذه الحلول..
من أغرب الأشياء التى نسمعها أن كل مسئول يتحدث عن تنمية سيناء دون أن نفعل شيئـا، وفى زيارته الأخيرة للأقصر أعلن رئيس الوزراء د. أحمد نظيف أن الحكومة حريصة على تنمية سيناء من خلال مشروعات عملاقة يجرى تنفيذها الآن وأضاف د. نظيف أن لسيناء وضعا خاصا سياسيا واستراتيجيا باعتبارها بوابة مصر الشرقية وإن أفضل وسائل تأمين سيناء هو تعميرها من خلال تكاتف دور الشعب والحكومة..
هذا ما أكده رئيس الحكومة وهو كلام جميل ولكنه يخالف الحقيقة فأين تلك المشروعات العملاقة التى تقام فى سيناء.. وأين هذا التكاتف بين الشعب والحكومة لتنمية سيناء باستثناء مجموعة الفنادق والقرى السياحية التى أقامها خمسة أشخاص وربما أقل فى شرم الشيخ أو توابعها..
منذ عامين فقط أصدر رئيس الوزراء د. أحمد نظيف القرار رقم 350 لسنة 2007 هذا القرار فى مادته الرابعة يحرم على المصريين تملك الأراضى فى سيناء ويجيزها فقط بحق الانتفاع لمدة 99 عاما.. ثم إن هذا القرار الذى يمنع شباب مصر من أن يذهب إلى هناك ويقوم بزراعتها وتعميرها يتعارض تماما مع كل ما يقال عن رغبة الدولة فى تنمية سيناء..
كيف تشجع الدولة ملايين المصريين للذهاب إلى سيناء وهى تحرمهم من حقهم فى تملك شبر فيها..
كيف نطالب القطاع الخاص أن يذهب إلى هناك ويستثمر أمواله وهو لا يملك الأرض التى يقام عليها المشروع خاصة أن قرار رئيس الوزراء ينص على أن تؤول المبانى والمنشآت على الأراضى الممنوحة بحق الانتفاع فى نهاية المدة إلى الدولة.. هذا يعنى أن مواطنا أقام فندقا أو استصلح أرضا وأقام عليها مشروعا ليس من حق ورثته الاستفادة من هذا المشروع بعد انتهاء مدة حق الانتفاع..
إن هذا القرار الغريب يكفى لمنع المصريين من الذهاب إلى سيناء وربما فتح أبوابا كثيرة للتلاعب حيث يمكن التنازل عن حق الانتفاع للأجانب وهذه قصة أخرى أكثر خطورة وتهديدا..
منذ سنوات طالب الرئيس مبارك الحكومة بتمليك أهالى سيناء الأراضى التى يزرعونها والبيوت التى يعيشون فيها وهناك ملكيات قديمة استقرت من عشرات السنين بوضع اليد والزراعة ولم يكن فى سيناء شهر عقارى أو مؤسسات قانونية لإثبات الملكية فماذا تفعل الحكومة مع هؤلاء؟.
إن الحكومة تطرد أهالى سيناء من أراضيهم وبيوتهم وترفض منحهم حق الملكية فى الوقت الذى تتلاعب فيه عصابات دولية لشراء الأراضى والعقارات للأجانب فى سيناء..
فى ظل قرار رئيس الوزراء رقم 350 لسنة 2007 لن يذهب المصريون إلى سيناء ولن تخرج أفواج الشباب لتعميرها.. إننى أتصور أن ينطلق إلى صحرائها عشرة ملايين شاب لا يجدون عملا ولا بيتا ولا مستقبلا فى المحروسة وكان ينبغى أن توفر لهم الدولة من الإجراءات والقرارات والقوانين ما يشجع المصريين كل المصريين على الذهاب والعمل والحياة فى سيناء.. أما قرارات حق الانتفاع ومنع المواطنين المصريين من تملك أراضيهم فهى قرارات طاردة وسياسات خاطئة ينبغى مراجعتها وإلغاؤها فورا..
إن القصص التى نسمعها الآن حول مستقبل سيناء الغامض تمثل تهديدا لمستقبلها وتهديدا لأمن مصر القومى خاصة أن هناك قوى كثيرة تتربص بها وبنا..
ثلاثون عاما تركت حكوماتنا الرشيدة سيناء للمخدرات.. والإرهاب والأطماع الخارجية وبعد ذلك تصدر الفرمانات التى تحرم الشعب المصرى من امتلاك أرضه..
فى الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن مؤامرة ضد سيناء ما زلنا نحن نردد الأغانى فى ذكرى عودتها رغم أن المخاطر التى تحيط بها الآن أكبر كثيرا من كل ما حدث فى الماضى.. هل يعقل أن تترك أرض الفيروز كل هذه السنوات الطوال بلا تنمية..
وهل يمكن لنا أن نتصور يوما تصبح فيه سيناء موضوعا لمفاوضات لبيع الأرض أو التنازل عن جزء منها..
وماذا سنقول للأجيال القادمة عن هذا الجزء من الوطن الذى فرطنا فيه بالإهمال حينا وربما بالتنازل عنه فى زمان قادم..
افتحوا أبواب سيناء للمصريين واتركوا شبابها العاطل يعمر صحراءها ويزرع أراضيها..
هناك سر غامض وألغاز كثيرة حول تأجيل مشروع تنمية سيناء كل هذه السنوات.. إن مرور الوقت ليس فى صالحنا بكل المقاييس.. إنها فرص ضائعة.. وأزمات مؤجلة وإهمال جسيم لمستقبل جزء عزيز من هذا الوطن.. ألا قد بلغت اللهم فاشهد.
جريدة الشروق المصرية
ما بين عودة سيناء المحتلة ومشروع تنميتها فاصل زمنى طويل امتد 12 عاما.. وما بين مشروع تنمية سيناء وزماننا الحالى 16 عاما أخرى، أى أننا أمام 28 عاما بلا عمل أو إنجاز وبين هذا وذاك أربعة رؤساء وزارات وأكثر من حكومة.. بدأت الرحلة مع وزارة د. عاطف صدقى بين عام 86 و96 ثم وزارة د.كمال الجنزورى من 96 إلى 99 ثم وزارة د. عاطف عبيد ما بين 99 و2004 ونحن حاليا فى وزارة د.أحمد نظيف منذ 5 سنوات..
ضاع كل هذا الوقت فى الدراسات والمشروعات الوهمية والقصص والحكايات والأعذار..
أنا لا أتصور أن يبقى الحال على ما هو عليه بعد كل ما جرى ودار من مؤامرات تجاوزت حدود السرية وأصبحت حديثـا صريحا واضحا ما بين كواليس السياسيين وأجهزة الإعلام ومراكز الأبحاث والقرار.. وتجاوزت حدود سيناء لتأخذ مكانها فى الملفات السياسية للدول الأوروبية وأمريكا وإسرائيل.. أصبح من الصعب أن نتعامل مع هذه الوقائع من خلال منظور الشك والهواجس.. أن ما يحيط بسيناء الآن يمثل تهديدا صريحا إلا إذا كان بيننا من يرى أن القضية من هذا المنظور يمكن أن تكون محلا للنقاش وسيكون ذلك هو الكارثة الأكبر من احتلال سيناء مرتين فى أقل من خمسين عاما..
بدأت قصة التنمية فى سيناء بعد عودتها مباشرة فى عام 1982.. وفى ظل احتفالات التحرير ورفع الأعلام على الأرض العائدة طافت بنا أحلام كثيرة..
كان اليهود قد خرجوا من سيناء تسبقهم دموعهم ففى خلال فترة وجيزة ما بين 67 و73 أى ست سنوات من الاحتلال أقامت إسرائيل عشرات المشروعات الناجحة ما بين زراعة مساحات كبيرة من الأراضى والتوسع فى المشروعات السياحية واستغلت آبار البترول استغلالا وحشيا وسرقت ونهبت آلاف القطع الأثرية وقامت بالتنقيب عن الكثير من المعادن والثروات الطبيعية واستخدمت أحدث أساليب التكنولوجيا فى الزراعة الحديثة.. وكانت منتجات سيناء الزراعية تتدفق كل يوم إلى أسواق أوروبا خاصة الفاكهة والزهور.. قامت إسرائيل ببناء مجموعة ضخمة من المستوطنات كان أشهرها وأكبرها مستوطنة ياميت الشهيرة.. وفى شرم الشيخ وطابا كان آلاف الإسرائيليين يسبحون كل يوم فى مياهنا الزرقاء.. ست سنوات من الاحتلال تحولت سيناء إلى شىء آخر إنتاجا وتصديرا وصناعة وزراعة وسياحة.. قلت إن إسرائيل فعلت فى سيناء فى ست سنوات ما فشلنا نحن فى إنجازه فى نصف قرن من الزمان..
عادت سيناء بالأغانى الوطنية رغم أنها تحررت بدماء شبابنا الغالى ولكن صوت الغناء رغم العودة كان أعلى وأغلى من صوت الدماء النبيلة..
مشروع ضخم لتنمية سيناء أعلنته حكومة د. عاطف صدقى قبل أن يترك الوزارة بعامين وكان الرجل جادا فى طرح هذا المشروع.. فى مشروع تنمية سيناء الذى أصبح الآن جزءا من أرشيف الحكومات المصرية تم رسم إستراتيجية كاملة لتنمية كل سيناء شمالها وجنوبها من شرم الشيخ جنوبا إلى رفح والعريش شمالا.. من مياه البحر الأحمر إلى مياه البحر المتوسط على مساحة 66 ألف كيلومتر مربع حيث تقترب هذه المساحة من ثلث مساحة الدولة المصرية..
وضعت الدولة المصرية ميزانية استثمارية لهذا المشروع بلغت 110 مليارات جنيه بحيث يبدأ المشروع عام 1994 وينتهى فى عام 2017 من هذه الميزانية 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46 مليار جنيه لجنوب سيناء..
هناك أرقام تؤكد أن كل ما تم تنفيذه من هذه الاستثمارات لم يتجاوز 14 مليار جنيه منذ تحرير سيناء وحتى الآن.
كان من أهم أهداف هذا المشروع زيادة الرقعة الزراعية والتوسع فى الإنتاج الزراعى وإعادة توطين السكان وانتقال 3 ملايين مواطن من الدلتا إلى سيناء وجعلها امتدادا طبيعيا للوادى واستغلال طاقات الشباب.. تبدأ المرحلة الأولى لتنمية سيناء بزراعة 220 ألف فدان غرب قناة السويس أما المرحلة الثانية فتشمل زراعة 400 ألف فدان فى وسط سيناء وشمالها وجنوبها..
كان المشروع يقوم على زراعة 400 ألف فدان من مياه ترعة السلام التى حملت مياه النيل إلى وسط سيناء بحيث توزع هذه المساحات على أساس زراعة 70 ألف فدان فى منطقة رابعة و70 ألف فدان فى بئر العبد و135ألف فدان فى منطقة السر والقوارير..
من بين أهداف المشروع الذى لم يكتمل أيضا إنشاء خط سكة حديد يربط مدن القناة من الإسماعيلية حتى شمال سيناء على الحدود المصرية فى رفح مارا بالعريش ويتضمن 13 محطة بتكاليف تصل إلى 800 مليون جنيه كان المشروع أيضا يهدف إلى إقامة سلسلة من الكبارى والأنفاق منها كوبرى الفردان وكوبرى مبارك للسيارات مع عدد كبير من مشروعات الطرق والغاز والكهرباء وتحلية المياه..
فى عام 94 وعند إعلان هذا المشروع الضخم لتنمية سيناء كان هناك إحساس عام لدى المصريين بأن سيناء يمكن أن تمثل حلا جذريا للكثير من مشاكل وأزمات مصر خلال فترة زمنية قصيرة..
كان هناك اعتقاد راسخ بأن سيناء هى البديل الطبيعى للأزمة السكانية الطاحنة التى تعيشها مصر على ضفاف النيل.. وفى ظل زيادة سكانية تتجاوز المليون نسمة سنويا يمكن أن تكون سيناء هى الحل الأمثل أمام هذه الزيادة.. كان مشروع تنمية سيناء يهدف إلى انتقال ثلاثة ملايين نسمة للحياة فى سيناء كمرحلة أولى يمكن أن يصل هذا العدد إلى خمسة ملايين نسمة قبل إتمام المشروع فى عام 2017..
وبدلا من أن تكون سيناء حلا للمشكلة السكانية زادت الأزمة تعقيدا ويكفى أن عدد سكان مصر قد زاد خلال 28 عاما ومنذ عودة سيناء بأكثر من 25 مليون مواطن.. وهذا هو الفرق بين حكومات تواجه الأزمات وتعمل على حلها وأخرى تصنع المشكلات وتضيف إليها المزيد..
كانت هناك خطة للتوسع الزراعى من خلال زيادة الرقعة الزراعية بما يعنيه ذلك من توفير السلع الزراعية خاصة القمح والذى يمثل عبئـا كبيرا على ميزانية النقد الأجنبى فى مصر حيث تعتبر مصر واحدة من أكبر دول العالم استيرادا للقمح.. كان من الممكن مع زراعة 400 ألف فدان فى سيناء أن توفر مصر الكثير من احتياجاتها من المنتجات الزراعية..
إن خطة التوسع الزراعى والصناعى سوف تفتح آفاقـا جديدة للصادرات المصرية بما يعنيه ذلك من زيادة مواردنا من العملات الصعبة خاصة أن كثيرا من المحاصيل والفاكهة التى تنتجها سيناء تلقى سمعة دولية طيبة فى الأسواق الخارجية..
إن خطة تنمية سيناء كانت تقوم أيضا على استثمار ما بها من حقول البترول والغاز والمعادن مع التوسع فى إنشاء مصادر للطاقة الكهربائية وتصديرها للدول العربية المجاورة وفى سيناء تلال من الرمال البيضاء التى تستخدم فى صناعة الزجاج مع كميات ضخمة من الرخام والحديد والأسمنت..
كلنا يعلم أن السياحة من أهم مصادر الدخل فى سيناء خاصة فى الجزء الجنوبى على مياه البحر الأحمر.. وفى الوقت الذى كان الاهتمام كبيرا بالسياحة على البحر الأحمر كان الإهمال واضحا على شواطئ البحر المتوسط والتى تمتد من العريش إلى دمياط..
ورغم أن وسط سيناء يضم أماكن أثرية تحظى بسمعة دولية مثل دير سانت كاترين وبئر فرعون وعشرات الأماكن الأثرية فإن هذه الأماكن بقيت بعيدة عن الاهتمام بها كمصادر دخل مضمونة..
كان الإهمال واضحا فى بعض المناطق فى سيناء خاصة منطقة الوسط رغم أن الجزء الأكبر من السكان يعيش فيها حيث يبلغ سكانها 300 ألف نسمه.. ولم يترك الإهمال أيضا شمال سيناء على امتداد شواطئ البحر المتوسط بينما كان الجزء الأكبر من الاهتمام يتجه إلى الجنوب حيث لا يوجد أكثر من 50 ألف نسمة.. لقد تم توجيه استثمارات رهيبة إلى شرم الشيخ والمناطق المحيطة بها ولو أن الجزء الشمالى من سيناء أخذ شيئـا من هذه الاستثمارات لتحولت سيناء كلها وليس جنوبها فقط إلى شىء آخر.. فى شرم الشيخ تركزت المشروعات السياحية.. ومشروعات الغاز والبترول والمطارات والتوسع السكانى وإن بقيت فى كل الحالات منتجعا لم يستفد منه سكان سيناء بشىء يذكر..
الآن لا ينبغى أن نطيل البكاء على اللبن المسكوب.. ويكفى الذى ضاع.. نحن الآن أمام صورة لا تدعو للتفاؤل فلم تعد القضية فقط تنمية سيناء بحيث نوجه اللوم إلى حكومات سابقة أو لاحقة لأنها أهملت مشروع تنمية هذا الجزء من الوطن.. إن القضية الآن تتجاوز حدود التنمية وتدخل إلى أزمة خطيرة تهدد أمن مصر القومى.. إن الحديث أصبح واضحا وصريحا حول دخول سيناء منطقة التفاوض حول مستقبل إنشاء الدولة الفلسطينية.. كان هناك كلام حول تقسيم فلسطين بين إسرائيل والدولة الفلسطينية ولكن الحديث الآن حول إمكانية أن يكون جزء من سيناء حلا للقضية الفلسطينية.. إن إسرائيل تجد أكثر من مبرر لهذا الطرح أمام العالم..
أولا: إن سيناء أرض خالية لا بشر ولا إنتاج ولا تنمية، وإن المصريين أهملوها تماما منذ عادت لهم فى بداية الثمانينيات أى أنهم تركوها الآن ثلاثين عاما فلماذا لا تصبح جزءا من الحل الشامل للصراع العربى ــ الإسرائيلى مادامت خالية.. إنها أرض بلا سكان وبلا تنمية وبلا مستقبل فى ظل سياسات مصرية متخاذلة وغير مفهومة..
ثانيا: إن عدد السكان الإسرائيليين مع الفلسطينيين سوف يصل إلى 20 مليون نسمة وإن أرض دولة فلسطين التى ستجمع الشعبين لا تكفى لاستيعاب هذا العدد من البشر فى السنوات القادمة وإن الحل هو جزء من سيناء يضاف إلى هذه المساحة..
ثالثا: فى ظل الظروف السياسية السيئة التى تحيط بالعالم العربى وتراجع الدور المصرى عربيا فإن إسرائيل تتصور أنه قد يجىء الوقت المناسب لطرح هذه القضية بحيث تجد قبولا لدى أطراف كثيرة..لن يعارض الغرب ولا أمريكا هذا التوجه وقد يكون الوقت مناسبا فى المستقبل القريب لطرح هذا المشروع أمام ظروف اقتصادية صعبة قد تعيشها مصر وتفرض عليها البحث عن حلول لمشاكلها وقد تكون الأرض أحد هذه الحلول..
من أغرب الأشياء التى نسمعها أن كل مسئول يتحدث عن تنمية سيناء دون أن نفعل شيئـا، وفى زيارته الأخيرة للأقصر أعلن رئيس الوزراء د. أحمد نظيف أن الحكومة حريصة على تنمية سيناء من خلال مشروعات عملاقة يجرى تنفيذها الآن وأضاف د. نظيف أن لسيناء وضعا خاصا سياسيا واستراتيجيا باعتبارها بوابة مصر الشرقية وإن أفضل وسائل تأمين سيناء هو تعميرها من خلال تكاتف دور الشعب والحكومة..
هذا ما أكده رئيس الحكومة وهو كلام جميل ولكنه يخالف الحقيقة فأين تلك المشروعات العملاقة التى تقام فى سيناء.. وأين هذا التكاتف بين الشعب والحكومة لتنمية سيناء باستثناء مجموعة الفنادق والقرى السياحية التى أقامها خمسة أشخاص وربما أقل فى شرم الشيخ أو توابعها..
منذ عامين فقط أصدر رئيس الوزراء د. أحمد نظيف القرار رقم 350 لسنة 2007 هذا القرار فى مادته الرابعة يحرم على المصريين تملك الأراضى فى سيناء ويجيزها فقط بحق الانتفاع لمدة 99 عاما.. ثم إن هذا القرار الذى يمنع شباب مصر من أن يذهب إلى هناك ويقوم بزراعتها وتعميرها يتعارض تماما مع كل ما يقال عن رغبة الدولة فى تنمية سيناء..
كيف تشجع الدولة ملايين المصريين للذهاب إلى سيناء وهى تحرمهم من حقهم فى تملك شبر فيها..
كيف نطالب القطاع الخاص أن يذهب إلى هناك ويستثمر أمواله وهو لا يملك الأرض التى يقام عليها المشروع خاصة أن قرار رئيس الوزراء ينص على أن تؤول المبانى والمنشآت على الأراضى الممنوحة بحق الانتفاع فى نهاية المدة إلى الدولة.. هذا يعنى أن مواطنا أقام فندقا أو استصلح أرضا وأقام عليها مشروعا ليس من حق ورثته الاستفادة من هذا المشروع بعد انتهاء مدة حق الانتفاع..
إن هذا القرار الغريب يكفى لمنع المصريين من الذهاب إلى سيناء وربما فتح أبوابا كثيرة للتلاعب حيث يمكن التنازل عن حق الانتفاع للأجانب وهذه قصة أخرى أكثر خطورة وتهديدا..
منذ سنوات طالب الرئيس مبارك الحكومة بتمليك أهالى سيناء الأراضى التى يزرعونها والبيوت التى يعيشون فيها وهناك ملكيات قديمة استقرت من عشرات السنين بوضع اليد والزراعة ولم يكن فى سيناء شهر عقارى أو مؤسسات قانونية لإثبات الملكية فماذا تفعل الحكومة مع هؤلاء؟.
إن الحكومة تطرد أهالى سيناء من أراضيهم وبيوتهم وترفض منحهم حق الملكية فى الوقت الذى تتلاعب فيه عصابات دولية لشراء الأراضى والعقارات للأجانب فى سيناء..
فى ظل قرار رئيس الوزراء رقم 350 لسنة 2007 لن يذهب المصريون إلى سيناء ولن تخرج أفواج الشباب لتعميرها.. إننى أتصور أن ينطلق إلى صحرائها عشرة ملايين شاب لا يجدون عملا ولا بيتا ولا مستقبلا فى المحروسة وكان ينبغى أن توفر لهم الدولة من الإجراءات والقرارات والقوانين ما يشجع المصريين كل المصريين على الذهاب والعمل والحياة فى سيناء.. أما قرارات حق الانتفاع ومنع المواطنين المصريين من تملك أراضيهم فهى قرارات طاردة وسياسات خاطئة ينبغى مراجعتها وإلغاؤها فورا..
إن القصص التى نسمعها الآن حول مستقبل سيناء الغامض تمثل تهديدا لمستقبلها وتهديدا لأمن مصر القومى خاصة أن هناك قوى كثيرة تتربص بها وبنا..
ثلاثون عاما تركت حكوماتنا الرشيدة سيناء للمخدرات.. والإرهاب والأطماع الخارجية وبعد ذلك تصدر الفرمانات التى تحرم الشعب المصرى من امتلاك أرضه..
فى الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن مؤامرة ضد سيناء ما زلنا نحن نردد الأغانى فى ذكرى عودتها رغم أن المخاطر التى تحيط بها الآن أكبر كثيرا من كل ما حدث فى الماضى.. هل يعقل أن تترك أرض الفيروز كل هذه السنوات الطوال بلا تنمية..
وهل يمكن لنا أن نتصور يوما تصبح فيه سيناء موضوعا لمفاوضات لبيع الأرض أو التنازل عن جزء منها..
وماذا سنقول للأجيال القادمة عن هذا الجزء من الوطن الذى فرطنا فيه بالإهمال حينا وربما بالتنازل عنه فى زمان قادم..
افتحوا أبواب سيناء للمصريين واتركوا شبابها العاطل يعمر صحراءها ويزرع أراضيها..
هناك سر غامض وألغاز كثيرة حول تأجيل مشروع تنمية سيناء كل هذه السنوات.. إن مرور الوقت ليس فى صالحنا بكل المقاييس.. إنها فرص ضائعة.. وأزمات مؤجلة وإهمال جسيم لمستقبل جزء عزيز من هذا الوطن.. ألا قد بلغت اللهم فاشهد.
جريدة الشروق المصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق