أولا:معنى الظلم و العدل :
الظلم أصله الجور ومجاوزة الحد و , معناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي.
والعدل هو وضع الشيء في موضعه الشرعي، وإعطاء كل شيء حقه من المكانة أو المنزلة أو الحكم أو العطاء.
ثانيا :الموقف القرآني من الظلم :
في القرآن الكريم آيات كثيرة صريحة في تحريم الظلم بذكر اسمه، وآيات كثيرة في تحريم الظلم بصورة غير مباشرة , وذلك بالأمر بالعدل لأن الأمر بالعدل نهي عن الظلم , فمن ذلك قوله تعالى " إن الله يأمر بالعدل "، هكذا أمراً مطلقاً بالعدل بكل ما هو عدل , ولكل إنسان فلا يجوز ظلمه , ولو كان كافراً أو ظالماً،وقد جاء في الحديث القدسي , كما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا".
ثالثا:من آثار الظلم خراب البلاد :
ومن آثار الظلم الذي يعجل في هلاك الدولة خراب البلاد اقتصادياً وعمرانياً ؛ لزهد الناس في العمل والإنتاج، وسعيهم الدائم إلى الفرار والخروج منها , وكل هذا يؤثر في قوة الدولة اقتصادياً وعسكرياً , ويقلل مواردها المالية التي كان يمكن أن تنفقها على إعداد قوتها في مختلف المجالات، مما يجعل الدولة ضعيفة أمام أعدائها الخارجيين , وإن بقيت قوية طاغية على مواطنيها الضعفاء المساكين المظلومين , وكل هذا يؤدي إلى إغراء أعدائها من الدول القوية لتهجم عليها , وتستولي عليها،مما يعجل في هلاكها. وقد أشار علماؤنا رحمهم الله تعالى إلى أثر الظلم في خراب البلاد، ففي تفسير الآلوسي : "وروي عن ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت، وقرأ قوله تعالى : "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون".
رابعا :سنة الله تعالى في الظلم والظالمين:
1- سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة:
سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة، قال تعالى : "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"
فقوله تعالى : "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة" أي إن عذاب الله ليس بمقتصر على من تقدم من الأمم الظالمة، بل إن سنته تعالى في أخذ كل الظالمين سنة واحدة، فكل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم، فلا بد أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد، فالآية تحذير من وخامة الظلم، فلا يغتر الظالم بالإمهال.
2-تبقى الدولة مع الكفر ولا تبقى من الظلم :
قال تعالى : "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس , والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم، فهذه الدولة مع كفرها تبقى، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط، ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية , وتظالم الناس فيما بينهم. قال الإمام القرطبي في شرح هذه الآية : إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد , كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان , وقوم لوط باللواط.
3-عقوبة الظالم في الدنيا من سنة الله تعالى المطردة:
والغالب أن الظالم – حسب سنة الله في الظلم والظالمين ـ يعاقب في الدنيا على ظلمه للغير، ويدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله الذي أخرجه أبو داود : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم ".
ولكن من سنة الله أيضاً إمهال الظالم ولكن دون إهماله. وقد يكون في عدم تعجيل عقوبته في الدنيا لحكمة يعلمها الله , ولا نعلمها مثل استدراجه، أو لكون المظلوم قد ظلم غيره وما حل فيه من ظلم هو جزاء ظلمه لغيره، أو لعلم الله بصلاح هذا الظالم مستقبلاً , وتوبته توبة نصوحاً , وتحلله من ظلمه، أو لغير ذلك من موانع تعجيل العقوبة على الظالم. . .
4-من عقاب الظالم تسليط ظالم عليه :
من سنة الله تعالى في الظلم والظالمين أن الرعية الظالمة أي التي يتظالم أفرادها فيما بينهم يُولى عليها حاكم ظالم , يكون تسلطه عليهم من العقاب لهم على ظلمهم , قال تعالى : "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون". ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية , أو التاجر يظلم الناس في تجارته. وقال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية : " الآية تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم، فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم " وفي الحديث : "كما تكونوا يولى عليكم ".
5-لا يفلح الظالمون :
ومن سنته تعالى في الظلم والظالمين أنهم لا يفلحون ولا يفوزون في الدنيا كما لا يفلحون ولا يفوزون في الآخرة قال تعالى : "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "، وهذا خطاب من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمصرين على كفرهم ما هو مذكور في الآية، وهو تهديد شديد ووعيد أكيد، أي استمروا في طريقتكم وناحيتكم , إن كنتم تظنون أنكم على هدى , فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي , فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى في هذه الدار.
6-هلاك الأمم الظالمة له أجل محدود :
وهلاك الأمم الظالمة له أجل محدود، بمعنى أن بقاء الأمة الظالمة بقاء محدود المدة , إذا انقضت هذه المدة جاء أجلها،قال تعالى : "ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" قال الآلوسي في هذه الآية "ولكل أمة أجل"، أي لكل أمة من الأمم الهالكة أجل أي وقت معين مضروب لاستئصالهم , ولكن هلاك الأمم وإن كان شيئاً مؤكداً ولكن وقت حلوله مجهول لنا.
خامسا :سبل وقاية الأمة من عقوبة الظلم :
1- الإنكار على الظالم :
روى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : "يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
2- عدم الاستكانة للظالم :
رفض الظلم وعدم الاستكانة للظالم والانتصار منه، كل ذلك مما يجب أن يتربى عليه الفرد المسلم؛لأنه شيء ضروري لتكوين شخصيته الإسلامية , ومن مقوماتها الأساسية ومن الصفات الأصلية للمسلم قال تعالى : "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" وفي تفسير القرطبي في هذه الآية: "أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه".
3- عدم الركون إلى الذين ظلموا :
ومن سبل الوقاية من وقوع الظلم أو شيوعه عدم الركون إلى الذين ظلموا لا سيما الحكام الظلمة، لأنهم لا يرتكبون المظالم إلا بأعوانهم , وبسكوت أهل الحق عنهم أو بركونهم إليهم , قال تعالى محذراً من الركون إلى الذين ظلموا : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".
قال الزمخشري في تفسيرها : ". . . والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، وذكرهم بما فيه تعظيما لهم.
4- لا يعان الظالم على ظلمه :
أعوان الظالم ظلمة مثله، فلا تجوز إعانة الظالم، لأن الحاكم الظالم إنما يتمكن من ظلمه بمعاونة أعوانه وأتباعه , وليس بنفسه فقط. ولهذا إذا نزل العذاب بالحاكم الظالم نزل بأعوانه أيضاً ؛ لأنهم مثله ظالمون كما حصل لفرعون وأعوانه قال تعالى : "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين"، فالله تعالى جمعهم بوصف الخطيئة، ومن خطيئتهم : الظلم الذي كان يقترفه فرعون , ويعاونه عليه هامان وجنودهما , فلما نزل العذاب بفرعون نزل بأعوانه.
5- لا يعان الظالم على بقائه :
ولا يعان الظالم على بقائه في مركزه الذي يمكنه على الظلم ، ولا يُدعى له بالبقاء لأن في بقائه استمراراً لظلمه، جاء في الحديث النبوي الشريف : "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه" وسئل الإمام سفيان الثوري عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا فقيل له : يموت ؟ فقال : دعه يموت.
6-عدم المحاباة في تطبيق القانون :
تطبيق القانون على الجميع بالسوية وبدون محاباة يبعث الطمأنينة في النفوس، ويجعل الضعيف المحق يوقن بانه في مأمن من ظلم القوي، فإذا اختل هذا الوضع فلم يطبق القانون على الجميع , وأخذت المحاباة تفعل فعلها , وهي التي يأخذ بها الحاكم، كان ذلك من الظلم الذي تباشره الدولة , أن تعين على وقوعه أو تسكت عنه فلا تمنعه، فتتلبس الدولة بالظلم ,، فيقوم فيها سبب الهلاك فتهلك.
فقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري :". . . فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. . . ".
سادسا :واجبات الجماعة المسلمة:
1-الجماعة المسلمة وسنة الله في الظلم والظالمين :
الجماعة المسلمة قامت في المجتمع استجابة لأمر الله تعالى : "ولتكن منكم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون" فعليها أن تقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومن المنكر وقوع الظلم , أو توقع وقوعه في المجتمع , وأقبح الظلم ظلم الحاكم، فعليها أن تحدد موقفها وتميزه وتظهره في ضوء قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومنها ما جاء في الحديث النبوي الشريف : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
2-على الجماعة المسلمة أن تَحذر الركون إلى الظلمة:
وعلى الجماعة المسلمة أن تحذر كل الحذر من الوقوع في معاني الركون إلى الذين ظلموا، ولو بحسن نية، وأيضا عليها الحذر من مخالطة الحكام الظلمة والظهور معهم أمام الناس دون إعلان الإنكار عليهم مما يوحي إلى الناس أن الجماعة تداهن الحكام الظلمة أو تؤيدهم، مما يجعل الناس يشكون في إخلاص الجماعة، بل ويشركونها في مسؤولية الحكام الظلمة، وبالتالي ينفض الناس عنها.
ويستثنى من مباشرة معاني الركون إلى الظلمة حسب الظاهر – مثل الدخول عليهم أو مجالستهم أو الطلب منهم – وجود حالة ضرورة تدعو لذلك , أو وجود المبرر الشرعي الذي يبيح ذلك،قال الإمام الرازي وهو يفسر قوله تعالى : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" قال : فأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون إليهم.
3-على الجماعة المسلمة أن تبصر الأمة بتقصيرها وواجبها :
على الجماعة المسلمة أن تبصر الأمة بتقصيرها وبواجبها , أما تقصيرها فبسكوتها عن الحاكم الظالم ورضوخها إليه , بل ومعاونتها له , ولولا هذا التقصير منها لما بقي هذا الظالم في الحكم ولا استمر في ظلمه.
فإذا أرادت الأمة أن تتخلص منه فعليها القيام بواجبها نحوه, والعمل الجاد لاستئصال كل الأسباب التي أدت إلى تسلط هذا الحاكم الظالم عليها سواء كانت هذه الأسباب تظالم الأمة فيما بينها أو انتشار المعاصي فيها , أو تفرق كلمتها،ثم إن عليها أن تقوم بواجب الإنكار عليه , وتهيئة القوة اللازمة لتحقيق الإنكار الفعلي عليه , وإزالة منكر الظلم فعلاً , وهذا يقتضيها أن تلتف حول الجماعة المسلمة التي ترفع راية الإسلام والجهاد في سبيل الله.
4-تحذير الناس من الكفر بسبب الظلم :
وعلى الجماعة المسلمة أن تحذر الناس من الوقوع في الكفر والردة عن الإسلام باعتراضهم على الله واتهامهم إياه – نعوذ بالله – بتأييد الحكم الظالم بدليل بقائه في الحكم والسلطة،بل وقد يكون مع ظلمه كافراً أو مرتداً، ويبقيه في السلطة , ولا ينزل عليه عذابه ليخلص من شره البلاد والعباد.
فعلى الجماعة المسلمة أن تبين للناس أنهم إذا أرادوا حاكماً عادلاً بمقاييس الشرع الإسلامي , فعليهم أن يقيموا العدل فيما بينهم، لأن الرعية التي تريد حاكماً عادلاً كعمر بن الخطاب عليها أن تكون رعية عادلة كرعية عمر بن الخطاب لأن القاعدة : "كيفما تكونوا يول عليكم".
وأيضا،فإن أمور الحياة تجري وفق سنن الله العامة , منها سنته في الأسباب والمسببات، وسنته تعالى في تدافع الحق والباطل، فعلى المسلمين أن يعلموا أن إزاحة الطواغيت والحكام الظلمة لا يكون بمجرد تضجرهم أو تحسرهم أو بالاحتجاج بأنهم مسلمون، فإذا أرادوا الخلاص من الحاكم الظالم أو الكافر فعليهم سلوك الجهاد الشرعي بأنواعه , وإعداد القوة اللازمة لذلك، ومن أولى خطواته ومستلزماته وحدة الكلمة , وضم الجهود بعضها إلى بعض، بالتجمع حول الجماعة المسلمة والانضمام إلى عضويتها، لأنها جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , ومن المنكر إزالة الظلم وتنحيه أهله عن الحكم والسلطان إذا لم يقلعوا عنه.
وأخيرا :توبة الظالم وهل تدفع عنه عقوبة الآخرة :
من المعلوم أن الظلم معصية، وأن الظالم إذا لم يتب من ظلمه عوقب عليه في الآخرة، وأنه إذا تاب توبة نصوحاً مقبولة فتوبته تسقط عنه عقوبة ظلمه , ولكن إذا كان ظلمه يتعلق بحقوق الناس , كما لو قتل غيره ظلماً أ, و آذاه في بدنه بغير القتل , أو غصبه حقاً له ثم تاب , فهل تسقط توبته عقوبة ظلمه هذا في الآخرة ؟.
ق ال ابن تيمية : "إن التوبة المجردة تسقط حق الله من العقاب , وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته , وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلساً، ومع هذا فإذا شاء الله تعالى أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله , كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق